الأربعاء، 15 مايو 2013

الدعاية والحرب النفسية -ج1


إذا كنت لا تؤمن بنظرية المؤامرة فلربما يتغير رأيك كليا بعد قراءتك لهذا المقال، وإن كنت أعلنها بأنه لا أحد يتآمر علينا كما نتآمر نحن علي أنفسنا.
في تعريفنا للدعاية هنا لن نقصر مفهومها علي تلك السبل الترويجية التي تتخذها الشركات لتصل بمنتجاتها إلي عملائها المحتلمين وتخلق أسواقا جديدة وقطاعات جديدة من المستهلكين في سبيل تحقيق الربح غاية المؤسسة وهدفها الأول، وإنما نقصد ذلك السلاح الفتاك الذي يستخدم مجموعة من السياسات الخاصة ووسائل غرس تأثيرات بعينها في المجتمعات والشعوب وحتى داخل صفوف الجيوش المقاتلة.
وهذا ما أدركه جيدا القائد الحربي البارع نابليون بونابرت حيث يقول ” أربع صحف معادية يخشى بأسها أكثر من ألف حربة” وقال أيضا عن قوة الكلمة وتأثيرها كإحدى الوسائل الترويجية”إنني أرهب صرير القلم أكثر من دوي المدافع” ، هذا ما استوعبه نابليون مذ زمن ولكنه علي ما يبدوا أن الدرس أعلي من مستوي فهم العرب فلا نزال لم نستوعبه جيدا، وهذا ما توضحه مقولة الصهيوني مناحم بيغن في أحد مؤلفاته يجب أن نعمل ونعمل بسرعة فائقة قبل أن يستفيق العرب من سباتهم ويطلعوا علي وسائلنا الدعائية، فإذا استفاقوا ووقعت بأيديهم تلك الوسائل وعرفوا دعامتها وأسسها فعندئذ سوف لا تفيدنا مساعدات أمريكا وتأييد بريطانيا وصداقة ألمانيا، عندها سوف نقف أمام العرب وجها لوجه مجردين من أفضل أسلحتنا” .
فما يعتقده البعض في أن العامل الأول والأخير في كسب الحروب هو تلك الأسلحة المادية الحديثة والمتطورة اعتقاد خاطئ، فلو أمعنا النظر لوجدنا أن هناك أساليب تفوقها براعة وتأثيرا وفعالية، فإن قتل رجل في الحرب وجها لوجه يعني إسقاط واحد من صفوف العدو، أما النجاح في إسقاط فرد من صفوف الجيش المعادي نفسيا فهو يعني بث للخوف والذعر ونشر للرعب في صفوف الجيش والشعب، ويالها من فرصة إن استطاعت الدعاية أو إحدى أساليب الحرب النفسية التأثير علي القادة في صفوف العدو وهذا ما ينهي الحرب تماما، ويصلك إلي الهدف بكل جدارة وبدون نقطة دم واحدة أحيانا أو مع أقل خسائر في صفوف الجيش.
الحرب النفسية ليست وليدة اليوم، ولكنها لم تكن بالطبع بذات القدر التي عليها اليوم، فقامت منذ زمن علي وسائل بسيطة وبدائية عن تلك الترسانات المخصصة لذلك الآن، فنجد أن الإسكندر المقدوني استخدم الحرب النفسية في هزيمة أعدائه فكان يصنع دروعا وأسلحة وخوذات ضخمة ويتركها خلف جيشه حتى إذا جاءت جيش العدو ظنت أن في جيش الإسكندر عمالقة من الجنود يحاربون معه، وكذلك هجمات التتار  والتي ما زلنا حتى اليوم نعد التتار جيوشا جرارة وضخمة العدد إلي أبعد حد، مع أن العلماء أثبتوا أن طبيعة آسيا الجغرافية لا تساعد علي وجود جماعات جرارة وبهذه الكثافة، ولكن نجح التتار في الترويج إلي ضخامة جيوشهم وبث الرعب في قلوب المسلمين بجواسيسهم وأعينهم التي راحوا يبثونها في كل مكان، وكانوا إذا دخلوا مدينة فسدوا فيها وجعلوا الدماء تملأ شوارعها، ودمروها حتى تكون عبرة لكل من يجرأ علي الوقوف أمامهم، وتميز فرسان التتار بسرعتهم المذهلة فكان قادتهم يعملون علي تغيير أماكنهم في كل وقت فيتضح للعدو أن الجيش يتجدد كل فترة وأن مددهم لا ينقطع، ولا ننسي كذلك المحارب البارع والصحابي الجليل والعبقرية الخالدة خالد بن الوليد في دوره البارع في غزوة مؤتة حين أدرك أن الانسحاب الآن ومعاودة الغزو في مرة أخري هو افضل الخيارات ولكنه تراجعه وانسحابه أمام الرومان سيؤدي إلي هلاك الجيش وتتبع الرومان له، فبدل الجنود من الميسرة إلي الميمنة ومن الخلف للأمام ، وجعل الجنود تثير غبارا من الخلف، فبث الله الرعب في نفوس الرومان وظنوا أن مددا وصل للمسلمين ولما انسحب الجيش بقيادة خالد خشي أي منهم ملاحقته حتى لا يكون في ذلك خديعة لهم، وأستخدم كذلك الرسول الله صلي الله عليه وسلم الحرب النفسية فهو يقول صلي الله عليه وسلم “نصرت بالرعب مسيرة شهر”.
الدعاية كإحدى فنون ووسائل الحرب النفسية هذا ما احترفه جوزيف غوبلز الألماني النازي عملاق لعبة الدعاية وعبقري الحرب النفسية، فهو أول وأخطر من استخدم هذا الفن في توجيه الفكر وغسيل المخ وإعادة توجيه الفكر إلي وجهة يتم تحديدها مسبقا بكل حرفية، فقد استطاع جوبلز عندما بزغ نجم أدولف هتلر عام 1929 أن يجعل منه الأمل الوحيد في الخروج من أزمة الاقتصاد بعد الهزيمة في الحرب العالمية الأولي وأن يرسخ في الجميع حلم ألمانيا زعيمة أوربا والعالم أجمع.
بعبقرية وأساليب جوبلز الإبداعية حقق للحزب النازي أكبر عدد من مقاعد الرايخستاغ، ولمع الحزب في سماء ألمانيا، واعتلي أدولف هتلر رئيسا للوزراء فما كان منه إلا أن عين جوبلز وزيرا للدعاية وما كان من جوبلز إلا أن قفز بهتلر إلي مقعد الرياسة وبدأ في تنفيذ حلم ألمانيا الكبرى.
حقا لم تدم انتصارات جوبلز طويلا، فالأمر قد انتهي بانتحار هتلر وإقصاء جوبلز، إلا أنه أسس لقواعد وأساليب الدعاية والحرب النفسية وأصبحت فنا وعلما يدرس ويستخدمه الجميع في أوقات السلم والحرب، وأصبحت وزارة الإعلام إحدى الوزارات الهامة والحيوية، وأصبحت لجنة الدعاية اللجنة الأهم في كل حزب وجماعة ومؤسسة، فقد أدرك الجميع الحقيقة في أن الفائز حقا هو من يستطيع الاستحواذ علي الرأي العام وعلي أداة إعلامية قوية يستطيع أن يبث من خلالها أفكاره ويوجه الناس لها.
سنتابع في التدوينة القادمة مزيدا عن أسرار الدعاية والحرب النفسية…. انتظرونا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق