صناعة الذات
هي الفكرة التي تحدونا نحو هدف نسعى إليه بعزيمتنا , و نعرف أننا حقّقنا نجاحنا إذا
استطعنا أن نصل إلى ما نريد .. إلى ذلك الهدف .. إلى ذلك النجاح .. هل أنتَ ناجح ؟
هل أنتِ ناجِحة ؟ هل نحن ناجحين في حياتنا ؟ دَعوني انطلق معكم في قصة ربما ترغبون
سماعها .. ربما تريدون أن تسافروا معي إلى أحداثها .
قصة طموح , قصة نجاح , تلك القصة كانت شرارة
انفجار لثورة من التقدم و الرّقي و الحضارة في اليابان تلك القصة هي قصة شاب اسمه تاكيو
اوساهيرا ذلك الشاب خرج من اليابان مسافراً مع بعثةٍ تحوي مجموعة من أصحابه و أقرانه
متجهين إلى ألمانيا , وصل إلى ألمانيا و وصل معه الحلم الذي كان يصبو إليه , و يراه
بعينيه ذلك الحلم هو أن ينجح في صناعة محرك يكون أول محرك كامل الصّنع يحمل شعار صُنع
في اليابان , ذلك حلمه , بدأ يدرس و يدرس بجد أكثر و عزيمة أكثر مضت السنوات سراعاً
كان أساتذته الألمان يوحون إليه بأن نجاحك الحقيقي هو من خلال حصولك على شهادة الدكتوراه
في هندسة الميكانيكا , كان يقاوم تلك الفكرة و يعرف أن نجاحه الحقيقي هو أن يتمكن من
صناعة محرك , بعد أن أنهى دراسته وجد نفسه عاجزاً عن معرفة ذلك اللغز ينظر إلى المحرك
و لازال يراه أمراً مذهلاً في صنعه غامضاً في تركيبه لا يستطيع أن يفكِّك رموزه .
جاءت الفكرة مرة أخرى ليحلق من خلالها في
خياله و ليمضي من خلال خياله نحو عزيمة تملكته و شعور أسره , تلك الفكرة : ( لابد الآن
أن أتَّخذ خطوة جادة من خلالها أكتشف كيف يمكن أن أصنع المحرك ) .
إخواني الكرام , أخواتي الكريمات : صدقوني
النجاح الذي نحصل عليه ينطلق من خلال فكرة نصنعها نحن و نمضي
نحن في تحقيقها , تلك الفكرة مضى ذلك الشاب ليحققها , فحضر معرض لبيع المحركات
الايطالية , اشترى محرك بكل ما يملك من نقوده , أخذ المحرك إلى غرفته , بدأ يفكك قطع
المحرك قطعةً قطعة , بدأ يرسم كل قطعة يفكِّكها و يحاول أن يفهم لماذا وُضعت في هذا
المكان وليس في غيره , بعد ما انتهى من تفكيك المحرك قطعة قطعة , بدأ بتجميعه مرة أخرى
, استغرقت العملية ثلاثة أيام , ثلاثة أيام من العمل المتواصل لم يكن ينام خلالها أكثر
من ثلاث ساعات يومياً كان يعمل بجدٍّ و دأب , في اليوم الثالث استطاع أن يعيد تركيب
المحرك و أن يعيد تشغيله مرة أخرى , فرح كثيراً , أخذ المحرك , ذهب يقفز فرحاً نحو
أستاذه , نحو مسئول البعثة و رئيسها : استطعت أن أعيد تشغيل المحرك , بعدما أعدت تجميع
القطع قطعة قطعة , تنفس الصعداء , شعر بالراحة : الآن نجحتُ , لكن الأستاذ أشار إليه
: لِسّا , لِسّا ما نجحت , النجاح الحقيقي هو أن تأخذ هذا المحرك , و أعطاه محرك آخر
: هذا المحرك لا يعمل , إذا استطعت أن تعيد إصلاح هذا المحرك فقد استطعت أن تفهم اللغز
, تجربة جديدة , أخذ المحرك الجديد , حمله و كأنه يحتضن أعزّ شيء إليه , إنه يحتضن
الحلم , إنه يحتضن الهدف , وراح يمضي بعزيمة , دخل إلى غرفته , بدأ يفكك المحرك من
جديد , و بنفس الطريقة , قطعة قطعة , بدأ يعمل على إعادة تجميع ذلك المحرك , اكتشف الخلل , قطعة من قطع المحرك تحتاج
إلى إعادة صهر و تكوين من جديد , فكر أنه إذا أراد أن يتعلم صناعة المحركات فلا بد
أن يدرس كعاملٍ بسيط , كيف يمكن لنا أن نقوم بعملية صهر و تكوين و تصنيع القطع الصغيرة
حتى نستطيع من خلالها أن نصنع المحرك الكبير
.
عمل سريعاً على تجميع باقي القطع بعد أن
اكتشف الخلل و استطاع أن يصلح القطعة , ركب المحرك من جديد , بعد عشرة أيام من العمل
المتواصل , عشرة أيام من الجد و العزيمة , لم ينم خلالها إلا القليل القليل من الساعات
, في اليوم العاشر , طربت أذنه بسماع صوت المحرك و هو يعمل من جديد , حمل المحرك سريعاً
و ذهب إلى رئيس البعثة: الآن نجحت , الآن سألبس بدلة العامل البسيط و أتّجه لكي أتعلم
في مصانع صهر المعادن , كيف يمكن لنا أن نصنع القطع الصغيرة , هذا هو الحلم , وتلك
هي العزيمة , بعدما نجح رجع ذلك الشاب إلى اليابان , تلقّى مباشرة رسالة من إمبراطور
اليابان , وكانوا ينظرون إليه بتقديس و تقدير , رسالة من إمبراطور اليابان ! ماذا يريد
فيها ؟ : أريد لقاءك و مقابلتك شخصياً على جهدك الرائع و شكرك على ما قمت به . رد على
الرسالة : لا زلت حتى الآن لا أستحق أن أحظى
بكل ذلك التقدير و أن أحظى بكل ذلك الشرف , حتى الآن أنا لم أنجح , بعد تلك الرسالة
, بدأ يعمل من جديد , يعمل في اليابان , عمل تسع سنوات أخرى بالإضافة إلى تسع سنوات
ماضية قضاها في ألمانيا , كم المجموع ؟ أمضى تسع سنوات جديدة من العمل المتواصل استطاع
بعدها أن يحمل عشرة محركات صُنعت في اليابان
, حملها إلى قصر الإمبراطور الياباني , وقال : الآن نجحت , عندما استمع إليها الإمبراطور
الياباني و هي تعمل تَهلّل وجهه فرحاً , هذه أجمل معزوفة سمعتها في حياتي , صوت محركات يابانية الصّنع مئة بالمئة
, الآن نجح تاكيو اوساهيرا , الآن استطاع أن يصنع ذاته عندما حَوّل الفكرة التي حلّقت
في خياله من خلال عزيمته إلى هدف يراه بعينيه و يخطو إليه يوماً بعد يوم , عندما وصل
إلى ذلك الهدف استطاع أن ينجح , في ذلك اليوم صنع ذاته , صناعة الذات انطلقت من ذلك
الشاب ليتبنّاها كلّ عامل ياباني يرفع شعار : إذا كان الناس
يعملون ثمان ساعات في اليوم سأعمل تسع ساعات : ثمان ساعات لنفسي ولأولادي و الساعة
التاسعة من أجل اليابان , تلك المعنويات جعلتنا نقول العالم يلهو و اليابان
يعمل , جعلتنا نفتخر بملبوساتنا و بمقتنياتنا لأنها صُنعت في اليابان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق